تجربتي مع اضطراب القلق العام
أود أن أشارك تجربتي مع اضطراب القلق العام، وهي تجربة مليئة بالتحديات والدروس المستفادة. بدأت معاناتي مع القلق في سن مبكرة، حيث كنت أجد نفسي دائمًا قلقًا بشأن الأمور اليومية التي قد لا تبدو مقلقة للآخرين. كان الشعور بالقلق يلازمني بشكل دائم، مما أثر على جودة حياتي وعلاقاتي الاجتماعية والمهنية.
مع مرور الوقت، أدركت أن ما أعاني منه ليس مجرد قلق عابر، بل هو اضطراب القلق العام، وهو حالة نفسية تتميز بالقلق المفرط والمستمر الذي يصعب السيطرة عليه. قررت أن أسعى للحصول على المساعدة المهنية، حيث بدأت رحلة العلاج مع استشاري نفسي متخصص. خلال هذه الفترة، تعلمت الكثير عن طبيعة اضطراب القلق العام وكيفية التعامل معه.
تضمنت الخطة العلاجية التي اتبعتها مزيجًا من العلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج بالأدوية. كان العلاج السلوكي المعرفي مفيدًا بشكل خاص في تغيير طريقة تفكيري وتعاملي مع القلق، حيث تعلمت كيفية تحدي الأفكار السلبية واستبدالها بأخرى أكثر إيجابية وواقعية.
أدركت أهمية العناية بالصحة النفسية والجسدية، فبدأت بممارسة الرياضة بانتظام وتناول طعام صحي، بالإضافة إلى تعلم تقنيات الاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق. كل هذه العوامل ساهمت في تحسن حالتي تدريجيًا.
من خلال تجربتي، أصبحت أكثر وعيًا بأهمية الحديث عن الصحة النفسية وكسر الصمت المحيط بها. اضطراب القلق العام ليس عيبًا أو ضعفًا، بل هو تحدي صحي يمكن التغلب عليه بالدعم المناسب والعلاج المناسب.
أود أن أشجع كل من يعاني من القلق أو أي اضطراب نفسي آخر على طلب المساعدة وعدم المعاناة في صمت. الشفاء رحلة طويلة وقد تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها ممكنة. بالصبر والدعم والعلاج المناسب، يمكن تحقيق الاستقرار النفسي والعيش بسلام مع نفسك ومع العالم من حولك.
ما هو اضطراب القلق العام (GAD)؟
اضطراب القلق العام هو نوع من الأمراض النفسية التي تتسم بشعور مستمر بالقلق والتوتر دون وجود أسباب واضحة لذلك. عندما يشعر الشخص بالقلق الشديد بشكل يومي لأكثر من ستة أشهر، من الممكن أن يكون مصاباً بهذا الاضطراب.
الأعراض تشمل القلق دون سبب واضح، الشعور بأن شيئاً سيئاً سيحدث قريباً، الإرهاق السريع، صعوبات في التركيز، الميل للغضب، توتر العضلات، ومشاكل في النوم.
لتشخيص هذا الاضطراب، يجب ألا يكون هناك سبب آخر يفسر هذه الأعراض. إذا كان الشخص يعاني من ثلاثة على الأقل من هذه الأعراض بشكل يومي تقريباً لأكثر من ستة أشهر، فيمكن اعتباره مصاباً باضطراب القلق العام.
الفترة الزمنية المحددة بستة أشهر تساعد في التأكيد على أن القلق ليس مجرد ردة فعل طبيعية لموقف معين، بل هو حالة مستمرة تؤثر سلباً على جودة حياة الشخص.
يشير الخبراء إلى أن هذا النوع من القلق يتجاوز الشعور الطبيعي بالقلق الذي يمكن أن يشعر به الشخص في مواقف معينة. الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب غالباً ما يجدون أنفسهم قلقين حول العديد من الأمور معاً، ويصعب عليهم التحكم في هذا الشعور، الأمر الذي يؤثر سلباً على أدائهم اليومي وقدرتهم على إنجاز المهام الروتينية.
كيف يختلف القلق العام عن الأنواع الأخرى؟
يؤكد فان نيكيرك على أن الخصوصية الرئيسية لاضطراب القلق العام تكمن في كون القلق لا ينجم عن عامل خارجي محدد، في حين أن أشكال القلق الأخرى كالفوبيا ترتبط بعنصر محدد أو موقف بعينه، مثل الخوف من العناكب أو الطيران، أو القلق الاجتماعي الذي يحدث في المواقف الاجتماعية.
لكن في حالة اضطراب القلق العام، قد يجد المرء نفسه قلقاً بشأن مجموعة واسعة من الموضوعات في سياقات مختلفة، وقد تبدو المخاوف التي يعانون منها مبالغ فيها بالنسبة للموقف الفعلي.
بالإضافة إلى أنه ورغم كون أعراض اضطراب القلق العام نفسية بطبيعتها، إلا أنها أيضاً قد تتجلى في صور بدنية شديدة، كحدوث نوبات الهلع أو مشكلات في الجهاز الهضمي.
يشير فان نيكيرك إلى أن بعض الأفراد قد يتعرضون لتسارع في دقات القلب، زيادة في سرعة التنفس، أو حتى تجربة نوبة الهلع، مما قد يثير شعوراً بالخوف الشديد كأن الشخص يمر بأزمة قلبية أو سكتة دماغية.
هو يستكمل قائلاً إن نوبات الهلع قد تحدث إلى جانب اضطراب القلق العام، ولكنها يمكن أن تكون أيضاً علامة على وجود اضطراب الهلع. في بعض الحالات، يمكن للحالتين أن تكونا متواجدتين معاً، لكن التشخيص يبدأ غالباً بالبحث عن اضطراب الهلع لضمان توفير العلاج الأكثر ملاءمة للشخص في حال كان القلق ناتجاً عن ذلك.
ويضيف أن المشاكل الهضمية قد تنشأ أيضاً بسبب التغيرات في العادات الغذائية، مثل استخدام الأكل كطريقة للتعامل مع القلق.
مَن الأكثر تأثراً باضطراب القلق العام؟
توضح الدراسات أن اضطراب القلق المستمر ينتشر بشكل كبير بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و55 سنة، مع تأثير أكبر على الإناث مقارنة بالذكور.
يعتقد الخبراء أن هذا الفارق بين الجنسين قد يعود إلى عدم تحديد الاضطراب بدقة عند الرجال. يرجع ذلك إلى أن الإحصائيات تُظهر أن النساء قد يتأثرن بالقلق بمعدل يضاعف الرجال، ولكن يوجد قلق حول إمكانية عدم تقدير حالات الرجال بالشكل الصحيح.
تدل الدراسات على أن تجليات القلق قد تختلف بين الجنسين؛ فالرجال قد يظهرون غضباً بشكل أكثر وضوحاً، ويتكلمون غالباً عن مصاعب جسدية كأوجاع الظهر أو المشكلات العضلية أكثر من التعبير عن مشاعر القلق نفسياً. كذلك، من الممكن أن يلجأ الرجال إلى استخدام الكحول أو وسائل أخرى غير صحية للتكيف مع القلق.
تؤدي هذه الطرق لمحاولة التعامل مع القلق إلى إحداث مشكلات صحية عقلية وجسدية أخرى. يوضح الخبراء أن محاولات العلاج الذاتي للقلق بالاعتماد على الكحول، التدخين بشكل مفرط، أو إساءة استخدام المخدرات يمكن أن يزيد من المشكلات الصحية بدلاً من حلها.
ما الذي يسبب اضطراب القلق العام؟
يتحدث نيكيرك عن أن سبب الإصابة بالقلق يعود إلى تأثير العوامل الجينية بجانب العوامل المحيطة بنا. يوضح أن وجود حالات قلق في العائلة يزيد من فرص الإصابة بهذا الاضطراب بشكل ملحوظ.
من جهة أخرى، يلفت كابيك الانتباه إلى أن الضغوطات المتتالية والمستمرة، خصوصًا تلك التي نواجهها لفترات طويلة، قد تؤدي إلى ظهور اضطراب القلق العام. يؤكد كابيك أن الأساس في ذلك قد يكون في مرحلة الطفولة، حيث تتشكل الكثير من سلوكياتنا التي نستمر بها لاحقًا في الحياة.
أنواع اضطرابات القلق النفسي
في هذه المقالة، نناقش متى يتحول القلق إلى حالة تستدعي الانتباه والعلاج، موضحين بعض من أبرز أشكاله:
اضطراب القلق العام يتميز بحالة قلق وتوتر دائمة تدوم لأكثر من ستة أشهر، مؤثرة على جوانب متعددة من حياة الشخص كالصحة والعمل والعلاقات والنشاطات اليومية. الأعراض تشمل الشعور الدائم بالقلق، الإرهاق، التوتر العضلي، صعوبة في التركيز، صعوبة في السيطرة على المخاوف، ومشكلات في النوم.
اضطراب الهلع يتسم بنوبات هلع غير متوقعة، قد تصل إلى ذروتها سريعًا محدثة تسارعا في ضربات القلب، ضيق في التنفس، رعشة، وشعور بفقدان السيطرة.
الفوبيا، وهي خوف مبالغ فيه من مواقف أو أشياء قد لا تشكل خطرا حقيقيا، يدفع الشخص لاتخاذ إجراءات قصوى لتجنب هذا الخوف، مع الشعور بقلق شديد عند الاضطرار لمواجهته.
بالإضافة، يوجد الرهاب الاجتماعي والخوف من الانفصال كنوعين آخرين من أنواع القلق. هذه الأنواع تلقي الضوء على كيفية تأثير القلق بأشكاله المختلفة على الفرد، مما يشير إلى أهمية التعرف عليها وعلاجها بشكل مناسب.
العوامل المساهمة والوقاية
تنشأ مشاكل القلق بسبب تأثيرات متنوعة تشمل البيئة الاجتماعية، الحالة النفسية، والأسباب الجسدية. وهي لا تقتصر على فئة معينة؛ فالجميع قد يتأثر بها، ولكن من عاشوا تجارب صعبة كالإساءة أو الفقدان الثقيل قد يكونون أولى الناس للتأثر بهذه المشاكل.
وجود علاقة بين القلق والصحة الجسدية واضح، حيث يؤثر القلق على الجسم بأشكال عديدة مثل التوتر المستمر أو مشاكل في التنفس وقد يؤدي إلى نتائج سلبية مثل الإفراط في شرب الكحول. هذه الآثار يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية وغيرها. بالمثل، الأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض قد يجدون أنفسهم يواجهون اضطرابات في القلق بسبب التحديات التي تواجههم في إدارة حالتهم.
من أجل الوقاية من القلق، هناك العديد من الاستراتيجيات المفيدة والبناءة التي يمكن تطبيقها في المجتمع كتوعية الآباء، وتعزيز البرامج التعليمية في المدارس لدي الأطفال والشباب بما في ذلك كيفية التعامل مع الضغط والمشاكل النفسية بطرق صحية. النشاط البدني أيضًا يعتبر وسيلة فعالة للحد من خطر تطور اضطرابات القلق لدى البالغين.
علاج اضطراب القلق العام
تتوفر عديد من طرق العلاج المؤثرة لمواجهة مشكلات القلق، ومن المهم أن يسعى الأشخاص الذين يشعرون بأعراض القلق إلى الحصول على الدعم والعلاج المناسب.
إحدى الوسائل الرئيسية لمعالجة القلق هي التدخلات النفسية، التي تشمل جلسات التحدث مع مختصين أو معالجين مدربين تحت إشراف. هذه الجلسات تفيد الأفراد في اكتشاف طرق جديدة للنظر إلى مشاعرهم والتعامل معها بفاعلية، باستخدام أساليب تعينهم على مواجهة الأشياء أو الأشخاص أو الأوضاع التي قد تسبب لهم القلق.
يمكن إجراء هذه التدخلات النفسية فرديًا أو ضمن مجموعات، وبإمكان الأشخاص الوصول إليها مباشرةً أو عن طريق الإنترنت، كما تتوفر أيضًا عبر العديد من الدلائل والمنصات الإلكترونية والتطبيقات. من أكثر الأساليب فاعلية في هذا المجال هو العلاج السلوكي الإدراكي، خصوصًا التعرض المدروس لمصادر الخوف.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر فائدة كبيرة لتعلم مهارات مثل الاسترخاء والوعي الذهني في التقليل من أعراض القلق.
في بعض الأحيان، يمكن أن تساعد أدوية معينة مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية في العلاج، لكن يتوجب على الأطباء التفكير جيدًا في الآثار الجانبية المحتملة ومدى ملاءمة هذه الأدوية للمرضى قبل وصفها.
يُعتبر استخدام البنزوديازيبينات غير مفضل في العلاج طويل الأمد للقلق بسبب مخاطر الإدمان وفاعليتها المحدودة مع مرور الوقت.